قصة المسلسل التركي ثمن الماضي

 مسلسل ثمن الماضي: 


قصة المسلسل التركي ثمن الماضي: بين ظلال الجريمة وصراع الضمير

يُعد مسلسل ثمن الماضي واحدًا من أبرز الأعمال الدرامية التركية الحديثة التي مزجت بين الإثارة البوليسية والدراما الاجتماعية في قالبٍ مظلم يعكس الواقع القاسي لعالم الجريمة والفساد الأخلاقي.

بدأ عرضه في سبتمبر 2024 على منصة NOW TV، واستطاع رغم قصر مدته (6 حلقات فقط) أن يترك أثرًا قويًا في أذهان المشاهدين بفضل قصته المشحونة بالمشاعر، وحبكته التي تجمع بين الغموض والانتقام والعلاقات العائلية المعقّدة.

بداية الحكاية: رجل القانون الذي صار خارج القانون

تبدأ القصة مع شخصية كارتال كاراوغلو (Kartal Karaoğlu)، رجلٌ كان في الماضي ضابط شرطة محترمًا، خدم سنوات طويلة في مكافحة الجريمة.

لكنّ حادثة مأساوية غيّرت مجرى حياته تمامًا، فاضطر لترك عمله بعد سلسلة من الخيانات داخل المؤسسة الأمنية، ليجد نفسه يعمل في إدارة الأمن الخاصة لأحد النوادي الليلية في إسطنبول — مكانٍ يضج بالأضواء والفساد والوجوه المزدوجة.

في تلك البيئة المظلمة، يعيش كارتال صراعًا داخليًا بين ماضيه الشريف وحاضره المليء بالذنوب.

غير أنّ حياته تنقلب رأسًا على عقب عندما تُقتل فتاة قاصر داخل النادي الذي يشرف عليه.

يُحاول في البداية التستّر على الحادثة خوفًا من تبعاتها، لكن ضميره الذي لم يمت بعد يرفض السكوت، لتبدأ رحلة البحث عن الحقيقة في دهاليز الجريمة والسلطة والفساد.

الصراع بين العائلة والعدالة: 

لا يقتصر المسلسل على الجريمة فقط، بل يسلّط الضوء على الجانب الإنساني في حياة كارتال.

فهو أبٌ فاشل في علاقاته العائلية، ترك أبناءه وزوجته لسنوات بسبب عمله وماضيه المظلم.

وعندما يحاول العودة إلى أسرته، يجد نفسه غريبًا عنهم تمامًا — لا أحد يثق به، ولا أحد يصدّق أنه تغيّر.

تظهر في حياته نَزان كايا (Nazan Kaya)، ابنة رجل الأعمال القوي فِفزي كايا (Fevzi Kaya)، وهي امرأة تحمل أسرارًا كثيرة عن عالم رجال الأعمال والسياسة والجريمة.

ينشأ بين كارتال ونَزان ارتباط معقّد يجمع بين الرغبة في العدالة والخوف من الماضي، لكن العلاقة بينهما تقود إلى مفاجآت لم يتوقعها أحد.

شبكة الجريمة والفساد: 

مع تقدّم الحلقات، يبدأ كارتال بالكشف عن شبكة ضخمة من الفساد السياسي والاقتصادي، يمتد أثرها من رجال الأعمال إلى بعض الشخصيات الأمنية التي كانت تعمل معه سابقًا.

كل خيط يقوده إلى آخر، وكل كشف جديد يضعه في دائرة الخطر أكثر فأكثر.

يدرك كارتال أن الجريمة التي حدثت في النادي لم تكن مجرد حادثة عرضية، بل كانت جزءًا من مؤامرة كبيرة تهدف إلى إسكات أحد الشهود في قضية فساد مالي وسياسي.

وهكذا يصبح بين مطرقة المجرمين وسندان القانون، يحاول النجاة وإحقاق العدالة في وقتٍ واحد.

فلسفة المسلسل: من هو “صاحب ثمن الماضي ”؟

العنوان ثمن الماضي يحمل بعدًا رمزيًا عميقًا.

فالمسلسل لا يتحدث فقط عن جريمة دم حقيقية، بل عن الدم الفاسد الذي يجري في عروق المجتمع — رمزية لكل من باع ضميره، خان وطنه، أو تخلّى عن مبادئه في سبيل المال والسلطة.

يطرح العمل سؤالًا مؤلمًا:

> هل يولد الإنسان فاسدًا بطبعه؟ أم أن الظروف هي التي تفسد الدماء النقية وتحولها إلى سمّ؟

من خلال شخصياته المتناقضة، يُظهر المسلسل أن الخير والشر لا يسكنان طرفين متقابلين، بل يتصارعان داخل الإنسان الواحد.

الشخصيات الرئيسية: 

1. كارتال كاراوغلو (Ertan Saban)

ضابط سابق يعيش صراعًا بين ماضيه ومبادئه، يواجه الخيانة والذنب ويحاول أن ينقّي دمه من “الفساد المعنوي”.

2. نَزان كايا (Damla Sönmez)

امرأة قوية ومثقفة، ابنة عائلة ثرية لكنّها تحمل سرًا كبيرًا يجعلها متورطة في الجريمة أكثر مما يبدو.

3. فِفزي كايا (Hüseyin Avni Danyal)

رجل نفوذ وأعمال، يمثل الطبقة التي تخفي وراء الثراء شبكة فسادٍ تُدير العالم من وراء الستار.

4. بورهان كاراوغلو (Levent Ülgen)

والد كارتال، ضابط متقاعد يرمز إلى الجيل القديم من الشرفاء الذين خسروا أمام الفساد الجديد.

 النهاية والتأمل

في الحلقة الأخيرة، يبلغ التوتر ذروته حين يكتشف كارتال أن من تآمر عليه في الماضي هو أقرب الناس إليه.

يتخذ قرارًا بمواجهة الجميع، في مشهدٍ درامي يعكس تضحية رجلٍ يدرك أن العدالة قد لا تنتصر دائمًا، لكنها تستحق أن يُضحّى لأجلها.

ينتهي المسلسل بنهاية مفتوحة، تاركًا للمشاهد حرية التساؤل:

هل انتهى الفساد فعلًا؟ أم أن “الدم الفاسد” لا يتوقف عن الجريان طالما بقي الطمع في قلوب البشر؟

تقييم عام: 

رغم قصره، نجح ثمن الماضي في تقديم قصة متماسكة، وإخراجٍ بصري أنيق، وتمثيلٍ قوي خصوصًا من إرتان سابان الذي أبدع في نقل معاناة الشخصية بين القسوة والندم.

كما امتاز المسلسل بموسيقاه التصويرية الغامضة التي عمّقت الإحساس بالظلام النفسي والعزلة.

هو عمل يُرضي من يبحث عن دراما ناضجة تتناول الجريمة من منظور إنساني، وتُظهر أن الفساد الحقيقي لا يوجد في الشوارع فقط، بل في النفوس التي فقدت إنسانيتها.

google-playkhamsatmostaqltradent